[img]
[/img]
ممدوح طه
التاريخ: 13 مايو 2011
ممدوح طه
نعايش في عالمنا العربي والإسلامي بكل أسف، سلسلة من الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية، بالإضافة إلى الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهي من جانب تنبع من أسباب داخلية لغياب مبادئ الحق والعدل والحرية غالبا، ولغياب الوعي بالوسائل المشروعة لتحقيق تلك المبادئ أحيانا..
ومنبعها جميعا أزمتنا الثقافية والأخلاقية حينما تغيب فيها الحقوق والحريات، وتزدوج فيها المعايير والسياسات الدولية، وتختفي منها المصداقية والتوازن والعدالة، وتتغلب المصالح البشرية الأنانية الصغرى على المبادئ السماوية والإنسانية الكبرى.
! وفي إطلالة عامة على ما يجري حولنا في العالم الغربي، الذي يمثل عالم الشمال الذي تحكمه المصالح، من أزمات اقتصادية دفعت به إلى تنافس مستور بين دوله على النفوذ السياسي والنفاذ الاقتصادي، وإلى اندفاع محموم بروح استعمارية إلى عالم الجنوب عموما، وإلى العالم العربي خصوصا، للسيطرة على مكامن الثروات الطبيعية، سعيا لحل أزماته الخانقة بتحولات سياسية وتحركات عسكرية في سباق على المصالح ولكن تحت لافتات المبادئ.
.. وفي إطلالة عامة على ما يجري حولنا في العالم العربي، الذي هو جزء من عالم الجنوب الذي تحكمه المبادئ، من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، دفعت بقواه الشعبية على اختلاف أطيافها وأهدافها إلى تحركات شعبية سعيا للإصلاح أحيانا وللتغيير غالبا، في شكل مظاهرات واحتجاجات وانتفاضات وثورات وتمرد مسلح أحيانا، انطلاقا من المبادئ بوسائل مختلفة، ولكن طلبا للمصالح.
. ولأن شرف الوسائل لا بد أن يتسق مع شرف الغايات، وأن مصالح الوطن العليا هي فوق مصالح الطوائف والأحزاب والجماعات والزعامات، فإن الأصل أن المبادئ الكبرى يجب أن تبقى في كل المواقف فوق المصالح الصغرى، لسبب بسيط هو أن تطبيق المبادئ بالوسائل المشروعة، هو الذي يحقق المصالح وليس العكس، بينما يمكن للمصالح الطائفية أو الفئوية المادية الصغرى أن تتحقق جزئيا، ولكن على حساب المبادئ الأخلاقية والوطنية الكبرى وضد سلامة الأوطان..
والأساس أن الحق يجب أن يبقى دائما فوق القوة، لأنه لا خير في قوة ظالمة وغاشمة مصيرها محكوم بالخسران، بينما الخير كل الخير في حق قد يبدو مهزوما أو ضائعا أو محاصرا مؤقتا، وهو في الحقيقة كما علمنا التاريخ هو المنتصر في النهاية.. والقاعدة أن الثقافة والأخلاق فوق السياسة، لأنها هي التي توجه السياسة وتقيم المواقف، ولأن السياسة بلا ثقافة خبط عشواء، وبغير أخلاق تصبح مهارة شريرة.
وفي ثقافتنا العربية الإنسانية، المستلهمة من قيمنا الروحية الإيجابية والبناءة والدافعة إلى الحوار بدلا من الشجار، وإلى الوحدة بدلا من الفرقة، وإلى الائتلاف بدل الاختلاف أو الخلاف والاقتتال، وإلى التعاون الإنساني لتحقيق التقدم المعنوي والمادي، فإن هناك أكثر من قاعدة مهمة وصحيحة نعرفها ونرددها، لكن الأهم أن نحترمها ونعمل بها حتى لا نبدو فاقدين للمصداقية حين نقول شيئا ونفعل نقيضه..
وثقافة أي شعب من الشعوب تنبع من مجموعة قيمه الأساسية الوطنية والقومية والدينية، التي تبدع أفكاره الإنسانية وتصنع سلوكياته الحياتية، وتحدد طبيعة علاقته بذاته وبالآخر. وباختلاف القيم تختلف الثقافات والأفكار والفلسفات والسياسات الاقتصادية والاجتماعية، اختلافا قد يتصادم أو يتناقض أو يتعايش،.
وهذا أو ذاك يتوقف على مدى سيادة القيم الوطنية الثقافية والروحية والأخلاقية، التي توجه السياسات وتحدد المواقف في مجتمع أو في وطن أو في منطقة أو في العالم.
لذلك ظل عالمنا عبر مراحله التاريخية المختلفة، حافلا باختلاف المنابع وباختلاف الثقافات، وبالتالي باختلاف التوجهات من مجتمع إلى مجتمع ومن حضارة إلى حضارة. وهذا الاختلاف يتطلب الحوار وصولا إلى التعايش، والتعايش على أساس القواسم المشتركة وصولا إلى الائتلاف، على المستوى الوطني أو الإقليمي أو العالمي، .
لكن المشكلة لا تنبع من أن هناك ثقافة صحيحة تمنع الأزمات، وإنما من ثقافة مريضة تصنع الأزمات.. والكارثة الحقيقية تقع حينما تتولى النخبة الثقافية أو السياسية المريضة قيادة العالم، وتسعى إلى عولمته للسيطرة عليه تحقيقا للمصالح على حساب المبادئ!
والثقافة المريضة لا تنتشر إلا في غياب ثقافة صحيحة قيما وسلوكا، ولا تصنعها إلا نخب مريضة لا يعلو صوتها إلا في مجتمع مريض، وأعراضها تظهر في الظلم والعدوان والعنصرية والاستعلاء والأنانية والطمع والاستغلال والنصب والكذب والتضليل الإعلامي..
وهذه الثقافة المريضة هي التي لا تربط بين المصالح المشروعة والوسائل والمبادئ المشروعة، ولا تستند على الثوابت الأخلاقية أو القيم الدينية والقومية والوطنية، بل تنتهج مبدأ السياسية الانتهازية «الغاية تبرر الوسيلة»، فلا تربط بين شرف الغاية وشرف الوسيلة، ولا تأبه بظلم الغير لتحقيق المصلحة الذاتية، ولا بخداع الغير لتحقيق الأهداف الأنانية.
.. وهو ما يبدو واضحا الآن أحيانا، في إعلام يضلل أو في سياسات مرتبكة تخدم المصالح على حساب المبادئ الإنسانية والقيم الدينية والثوابت الأخلاقية، سواء في محيطنا الإقليمي أو العالمي!
والثقافة الأيديولوجية العرقية أو المذهبية أو السياسية المتعصبة، والأنانية المستعلية المريضة، والمصالح الاستعمارية الدولية ذات الطبيعة التوسعية العدوانية، لنهب ثروات الشعوب والسيطرة على قراراتها الوطنية، لوضعها ضمن دوائر التبعية ومناطق النفوذ وفرض الإملاء عليها، .
هي التي سببت وتسبب للعالم الحروب والكوارث والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتي هي في جوهرها أزمة ثقافية وأزمة أخلاقية. وما أوضاعنا العربية والإسلامية غير الصحيحة، وسلوكياتنا المضطربة والمزدوجة، التي تمثل شاهد زور على قيمنا الروحية الصحيحة وعلى إرادة شعوبنا وثوابتها القيمية والوطنية أحيانا، .
إلا أزمة ثقافة بتأثير الثقافة المادية المريضة، المجافية للقيم الروحية والإنسانية، والتي تجعل السياسة بلا ثقافة ولا أخلاق.. والمطلوب إعادة تحديد الغايات والسياسات والوسائل، لتصحيح الاتجاه وفقا للمعايير الوطنية والقومية والثقافية والأخلاقية الصحيحة.
mamdoh77t@hotmail.com