[img]
[/img]
ممدوح طه
التاريخ: 01 يوليو 2011
ممدوح طه
في كل ما يجري أمامنا الآن في الوطن العربي، في بعض المواقع المتفجرة بالثورة أو في جل المواقع المتوترة بالغضب، من حراك شعبي بهدف التطوير أو الإصلاح أو التغيير، معبراً عن نفسه بثورات أو تظاهرات أو انتفاضات أو بتمرد مسلح، مثلما هي النماذج واضحة الآن في مصر وتونس بالثورة الشعبية السلمية، وفي اليمن وسوريا بالتظاهرات والانتفاضات الدامية، وفي ليبيا بالتمرد المسلح المدعوم بالتدخل العسكري الأطلسي.. يتضح لنا بكل وضوح، أن الوطن العربي كله من محيطه إلى خليجه، يواجه في آن واحد رياحاً شعبية عربية للإصلاح وللتغيير المبرر للأنظمة من داخله، بدفع آمال مشروعة بالحرية والتنمية والعدالة، ويواجه في الوقت ذاته عواصف استعمارية غربية للتشطير وللتدمير المقرر للأوطان من خارجه، بدفع أطماع غير مشروعة للسيطرة على القرار والخيار السياسي والاقتصادي لكل نظام، أياً كان شكله في كل وطن عربي أيا كان موقعه..
ولأن كل المطالب الشعبية المشروعة تكاد ترفع نفس اللافتات وتطلق ذات الهتافات، رفضا للتبعية ودعوة إلى الحرية والديمقراطية والعدالة الاقتصادية والاجتماعية والكرامة والحقوق الإنسانية، أو بالمزيد منها والمساواة فيها، فإن هذا دليل على وحدة آلام وآمال شعوب الوطن العربي، وعلى وحدة أهداف الشعب العربي، المحددة في حرية الوطن وحرية المواطن، وعدالة المشاركة في الثروة والسلطة، والمساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات وفي الحريات والمسؤوليات.
ولأن القوى الاستعمارية القديمة تريد استمرار سيطرتها بأشكال جديدة، وعبر إسرائيل، قاعدتها العسكرية الكبرى على الأرض العربية، فإنها ترفع ممنوعات ثلاثة؛ لا للوحدة العربية، ولا للتضامن العربي الإسلامي، ولا لنمو أية قوة إقليمية عربية أو إسلامية، ولهذا فهي لا تريد لهذا الوطن العربي إلا أن تكون سياساته خاضعة لسياستها، وخياراته الاقتصادية محكومة بإرادتها، وبالتالي لا تريد لهذا الوطن العربي أياً من أسباب القوة، لا بالحرية ولا بالتنمية ولا بالوحدة.
وفي هذه الحالة، فإن إرادة الشعوب العربية المبررة والمشروعة، تتناقض في الواقع مع إرادة الحكومات الغربية المقررة وغير المشروعة، ولأن القوى الاستعمارية ثبت لها بالتجربة في المواجهة بين الإرادتين إبان عهود الاحتلال العسكري السافر، أن إرادة الشعوب هي المنتصرة، بدليل إجباره على الرحيل والتسليم باستقلال الأوطان بضغط المقاومة الشعبية، وأن الاستعمار مشروع فاشل ومقامرة خاسرة، مهما بلغت القوة ومهما طال الزمن.. لجأ المستعمرون القدامى إلى خطط جديدة بالحيلة والخديعة، للسيطرة السياسية والاقتصادية دون احتلال عسكري مباشر يستدعي مقاومة الشعوب، وذلك بتقوية إسرائيل لتكون القوة الإقليمية الأولى، وبإضعاف الدول العربية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وخصوصاً تلك الرافضة للمشروع الصهيوأميركي، وبالادعاء الكاذب بدعم الشعوب العربية في الحرية والديمقراطية، لابتزاز أنظمتها أو الإطاحة بها أو لإغراق الأوطان العربية في الاضطراب، لتظل مكشوفة الظهر تحت تهديد إسرائيل ولمن هم وراء إسرائيل.
وهكذا كان آخر الخيارات الاستعمارية لإضعاف العرب، هو سلاح الغزو من الداخل بسلاح الفتنة الطائفية والعرقية والمذهبية والسياسية، لتحويل الاختلافات إلى خلافات والتناقضات إلى تصادمات واشتباكات، بهدف تقسيم الأوطان، سواء بالحروب الأهلية مثلما جرى في الصومال والسودان وما يجري في العراق واليمن والبقية تأتي، أو بسلاح الحصار السياسي والاقتصادي، وإذا تعذر تحقيق المراد بالضغط والحصار والغزو من الداخل، فالغزو من الخارج هو الحل إذا لزم الأمر.. وذلك بالعدوان العسكري السافر أو بالاحتلال المباشر، كما نشهد الآن في أكثر من موقع عربي وإسلامي تحت شعارات كاذبة، سواء بغطاء ممزق من مجلس الأمن الأميركي أو بعدوان غير مشروع بغير غطاء على الإطلاق، بهدف تدمير القدرات الاقتصادية والعسكرية لدول بعينها تناهض أميركا وتواجه إسرائيل، إذا فشلت في فرض الإملاءات السياسية والاقتصادية عليها، مثلما حدث بالعدوان الثلاثي على مصر أمس الأول وفشل، وبالعدوان الثلاثيني على العراق بالأمس وفشل، وما زال العدوان مستمراً بأشكال شتى..
وحتى لا تقع الحركات الشعبية العربية ذات المطالب المشروعة في المحظور بالوقوع في الفخاخ الغربية، سواء بالخلط بين الهدف العربي والخبث الغربي أو بإزاحة الأوطان بدلاً من إزالة الطغيان، فإن الحكم على مشروعية ووطنية أي منها، يتحدد بالتزام كل منها بالمبادئ الوطنية المشروعة، التي تنطلق من لاءات ثلاث هي: لا للاستقواء بالخارج لحل مشاكل الداخل، لا للوقوع في الفتن الطائفية أو العرقية أو المذهبية أو السياسية أو بالتورط في الاقتتال الأهلي، لا لتغليب المصالح الحزبية على المصالح الوطنية.
ولأن الغايات الشريفة لا تتحق إلا بالوسائل الشريفة، فإن الديمقراطية لا يمكن أن تتحقق إلا بالوسائل الديمقراطية والسلمية المشروعة في التعبير عن المطالب المشروعة، وبالحوار الوطني بغير إقصاء أو تهميش، وصولاً إلى الوفاق الوطني بين التيارات كافة، وباعتماد آليات الاستطلاع والاستفتاء والانتخاب سبيلاً وحيداً لاستجلاء الإرادة الشعبية ولمعالجة الانقسام السياسي، بعيداً عن التكفير والتخوين، مستهدفين التوحد في ائتلاف وطني لا يلغي التعدد، أو في تيار رئيسي عام لا يلغي التنوع والاختلاف، لكن دون الخلاف.
وبهذا لا يكون هناك خوف من الاختلاف بين التيارات، لأنه الطريق إلى الائتلاف، ولا خوف حتى من الخلاف بين الفرقاء، إذا اتفق الجميع على أن تكون ساحة الحوار الوطني هي ساحة حل مثل هذا الخلاف، وصولاً إلى التوافق والمشاركة معاً في صنع القرار الموحد، بشرط ألا تتحول ساحة الحوار إلى ساحة شجار، حين تتوارى القواعد الديمقراطية والأخلاقية لأي حوار، حيث لا غالب ولا مغلوب وباحترام الأقلية لرأي الأغلبية، وتتقدم عليها نزعات الاستئثار والإصرار على فرض الرأي أو تحقيق الكسب والسعي لهزيمة الفريق الآخر.
إن مصائر الأوطان في النهاية محكومة بالتوافق، وليست مباراة أو تجارة يحكمها منطق المكسب والخسارة.. فالفارق كبير بين تغيير الأنظمة وتفكيك الأوطان.
mamdoh77t@hotmail.com