[img]
[/img
ممدوح طه
التاريخ: 15 يوليو 2011
ممدوح طه
من الواضح أن ما يجري في بعض الأوطان العربية، لأسباب داخلية أو بتدخلات خارجية، من مواجهات سياسية ساخنة، وانقسامات وطنية دامية، تحت لافتات مختلفة؛ إصلاحية أحيانا وثورية غالبا، وطائفية أحيانا وسياسية غالبا، بات يبعث على القلق ويتطلب أقصى درجات الوحدة والوعي والحذر، لأنه يشير في النهاية إلى أن الأمن القومي العربي قد أصبح في دائرة الاستهداف الأجنبي، من خلال استهداف الأمن الوطني في أكثر من بلد عربي.
ولأنه لا أمن لمواطن من دون أمن الوطن، ولا حرية لمواطن من دون حرية وطن، ولا كرامة لمواطن من دون كرامة وطن، ومن هنا تبقى قيمة هذا الوطن العربي لدى كل مواطن عربي، أكبر من أي طائفة وأعلى من أي حزب وأغلى من أي فرد، لسبب أساسي هو أنه أرض العيش المشترك لكل الطوائف الدينية ولكل التيارات السياسية، ولكل المواطنين على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم وآرائهم، هو المهد والحياة واللحد.
وأمن هذا الوطن تنبع من قوته، وقوة هذا الوطن لا تنبع إلا من وحدة شعبه، التي لا تتحقق إلا على قاعدة الحرية والعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات وفي الحريات والمسؤوليات، وعلى تماسك جبهته الداخلية حول أهدافه الوطنية المشتركة التي صاغها عبر نضاله المشترك لتحقيق استقلاله الوطني، لا تختلف تلك الحقيقة في الوطن المصري مثلما هي في كل قطر في الوطن العربي.
ولا قوة لوطن بلا وحدة الصف، ولا وحدة للصف بلا وحدة في الهدف، ولا وحدة في الهدف بلا توافق حول رؤية مشتركة، ولا توافق بلا حوار لحل الخلافات حول المبادئ والمصالح، ولا حوار إلا بين مختلفين لا بين متفقين، كما لا حوار يمكن أن يدور عن بعد، ولا بشروط مسبقة، ولا بغير مشاركة أطراف الخلاف الحقيقيين.
من هنا أصبح المعيار الواضح لدى الجماهير للحكم على مدى رشد الساسة وحكمة السياسة، ومدى التزام الساسة بمسؤوليات السياسة، ومدى وطنية الساسة قبل حزبية السياسة، هو مدى الالتزام بسلمية العمل الوطني، وديمقراطية الممارسة السياسية، وعدالة المشاركة الشعبية في القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومدى الموقف من مسألة الديمقراطية السياسية والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية.
والديمقراطية في الدولة الحديثة تعني ببساطة «أن يكون الشعب هو مصدر السلطات فعلا لا قولا»، وهو الذي يحكم نفسه بنفسه لنفسه، مباشرة أو من خلال نوابه ومؤسساته، بالشكل الذي تتوافق عليه تياراته الوطنية وقواه السياسية المختلفة، بإرادة حرة تتوفر لها الضمانات الدستورية والقانونية الحقيقية لا الشكلية، وفقا لهويته الثقافية وواقعه الاجتماعي وأهدافه الوطنية.
وللديمقراطية ملامحها التي لا تخطئها العين، من احترام حق الوصول للسلطة بإرادة الناس وفقا للآليات الديمقراطية، وحرية تداول السلطة سلميا وفقا للقواعد الدستورية، وتحديد الفصل مع تحقيق التوازن بين السلطات الثلاث، وإعلاء الإرادة الشعبية على كل السلطات، عبر مؤسسات ونقابات وجمعيات المجتمع، وكفالة حرية التعبير مع مسؤولية هذا التعبير عن كل ما يضير الفرد أو المجتمع.
وأهم عنصر في ذلك كله، هو وضع التشريعات والقواعد والآليات والضمانات، لإجراء انتخابات أو استفتاءات نزيهة بآليات محايدة بمشاركة كل القوى السياسية، أيا كانت مرجعياتها الفكرية، دون إقصاء أو تهميش. وذلك بوضع قانون للانتخابات عادل ومتوازن ومتوافق عليه، لا يستثني أحدا في ممارسة حقوقه وحرياته السياسية، سواء حقه في الترشح دون شروط تعجيزية أو بالتصويت دون ترهيب بدني أو ترغيب مالي، في اختيار نائبه أو حاكمه على كل المستويات، بحرية كاملة وبإشراف السلطة القضائية بسيادة واستقلال كامل، بما يكشف بشفافية عن الإرادة الشعبية الحقيقية.
فالحرية هي جوهر الديمقراطية التي تعني سلطة الشعب الحر، وتعني حرية صياغة واختيار شكل ومرجعية هذه السلطة، وهي كآلية سياسية ترجمة لحق الشعوب في حرية اختيارالنظام السياسي الذي تريده، بأية مرجعية فكرية تؤيدها الغالبية الشعبية، بالتصويت بكل حرية في انتخابات حقيقية.
صحيح أن الحرية وحدها لا تشكل دليلا على الديمقراطية الحقيقية، لكن الصحيح أيضا أن لا ديمقراطية بلا حرية، ولهذا لا يمكننا في النهاية قبول قمع الحرية السياسية لأي من القوى الوطنية في أي مجتمع تحت أية دعوى، لأنها المقدمة الأولى لأي شكل من أشكال الديمقراطية.
ولا تغييب العدالة الاقتصادية والاجتماعية، لأنها أهم حقوق الإنسان، سواء بالتشريعات القانونية أو بالألاعيب الانتخابية بحجة إنقاذ الحرية من الحرية، أو لحماية الديمقراطية من الديمقراطية.
وإذا كان التظاهر السلمي حقا ديمقراطيا للتعبير عن المطالب المشروعة أو حتى للاحتجاج السياسي، فإن الفارق كبير بين التظاهرة السلمية المشروعة، وبين العنف والعبث وإشاعة الفوضى باسم الحرية، والتمرد المسلح غير المشروع، إضراراً بالمصالح العليا للوطن.
وإذا كانت الثورة ضد المظالم الاقتصادية والاجتماعية اضطرارا شعبيا، فإنها تبقى مشروطة بمدى مشروعيتها وشعبيتها وسلميتها ووطنيتها، إذا انسدت كل الأبواب التحاورية والبرلمانية والسياسية، لأن العنف السياسي والفتن الطائفية أو المذهبية شر، والانزلاق إلى فخ الاقتتال الأهلي فيها، هو أشر الشرور.
وليس من الحكمة ولا من الوطنية ولا من العروبة ولا من الإسلام في شيء، هذا الحال المؤلم من الانقسام الوطني والسياسي الحاد، إلى حد السقوط في فخ الاقتتال الدامي في الحروب الأهلية العربية، والتناحر غير السامي بين الساسة بتزييف الديمقراطية، والتنافس المحموم على الزعامة السياسية، والصراع المذموم على الاستئثار بالسلطة وإقصاء الشريك الوطني الآخر، في الواقع الوطني والعربي والإسلامي.
ليبقى المطلوب هو إعلاء المبادئ على المصالح، والتحرر من الارتهانات الأجنبية المعادية للوحدة، وتحرير الإرادة الوطنية والعربية من الارتباطات غير الوطنية أو القومية، وتقديم مصلحة الأمة فوق مصلحة الوطن، وإعلاء مصالح الوطن على المصالح الحزبية، والسعي للمصالحة الوطنية بين القوى الوطنية المختلفة، والعمل على تحقيق الشراكة الديمقراطية للحكم، والتعامل مع إرادة الشعوب وحدها باعتبارها هي الشرعية الحقيقية.
mamdoh77t@hotmail.com]