[img]
[/img]
ممدوح طه
التاريخ: 06 أغسطس 2011
ممدوح طه
أكتب هذه السطور في اليوم الثاني من أغسطس الموافق الثالث من رمضان ليستوقفني فيهما مشهدان أحدهما غربي والثاني عربي، يشكلان ما يشبه «الزلزال» ويفيضان في رحاب شهر القرآن بالعظات والدروس أهمها ما يبلغ درجة القانون الإلهي العظيم والذي تؤكده آيتان كريمتان من «سورة الزلزلة» هما: « فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره» .
المشهد الأول غربي وبالتحديد أميركي، وعبرته في تاريخه (2 أغسطس) في الذكرى التاسعة للغزو الأميركي العدواني للعراق، وفيه وقف رئيس أكبر وأقوى وأغنى دولة في العالم يستجدي نواب البرلمان لإنقاذ حكومته من الفضيحة العالمية في موقف يثير الرثاء.
حيث كادت أميركا تواجه شبح إعلان الإفلاس لأول مرة في تاريخها، وتقف بين خيارين أحلاهما مر إما السماح لها بزيادة الاستدانة لسداد ما عليها من ديون والتزامات، أو العجز الحكومي عن سداد ديونها والتزاماتها فيما يشبه الإفلاس!
وهنا نتذكر ونذكر، بأن هذه القوة العظمى ما كانت لتبدو بهذا الضعف المهين وما كانت لتواجه ذلك الموقف المشين، لولا مغامراتها العدوانية الفاشلة ومقامراتها الحربية الخاسرة ضد العرب والمسلمين بداية من دعم الصهاينة المعتدين في فلسطين، ومرورا بغزوها لأفغانستان واحتلالها للعراق ونهاية بتورطها في الحرب الأطلسية ضد ليبيا ورفض البرلمان الأميركي تمويل تلك الحرب.. الأمر الذي أنهك الاقتصاد الأميركي.. وهكذا، فمن يزرع الشوك لا يجني إلا الشوك.
والمشهد الثاني عربي وبالتحديد مصري حدث في الرابع من رمضان، وعبرته في وقوعه لأول مرة في التاريخ العربي بمحاكمة رئيس أسقطه شعبه حضوريا بمحاكمة عادلة، وعظته في موقعه (قاعة الاحتفالات) بأكاديمية الشرطة بالقاهرة، والتي فيها تنعقد لأول مرة (محكمة الجنايات) لمحاكمة الرئيس المصري السابق حسني مبارك بعد ثورة 25 يناير الشعبية، وما يستوقفني هنا هو أن هذه القاعة ذاتها كانت قد شهدت آخر خطاب احتفالي للرئيس السابق في الاحتفال بعيد الشرطة المصرية الموافق 25 يناير!
وهنا لا يخلو المشهد من بعض العظات والعبر، إذ أن الرئيس السابق ووزير الداخلية الأسبق كانا يلقيان خطابيهما الاحتفاليين ويوجهان اتهاماتهما الظالمة ضد معارضيهما في الداخل والخارج قبل اندلاع الثورة بساعات،من على نفس المنصة التي سيتخذها قضاة المحكمة الجنائية منصة لإصدار أحكامهم التي نتوقع أن تأتي عادلة وغير ظالمة ضد المتهمين، بينما يقف داخل القفص على جانب المنصة المتهم الأول حسني مبارك والمتهم الثاني حبيب العادلي وآخرين بتهم أهمها قتل متظاهرين سلميين واستغلال السلطة للإثراء غير المشروع.. فسبحان الله الذي يمهل ولا يهمل!
يحدث هذا بينما يطل علينا شهر رمضان هذا العام بالكثير من العظات والدروس ويفتح لنا الكثير من أبواب الخير ويساعدنا على إغلاق الكثير من أبواب الشر، يجيء إلينا بدعوة لفعل الخير للنفس وللغير، وبفرصة لمواجهة الشر في أنفسنا وفي غيرنا، في وقفة مع النفس ومع الغير للمساءلة وللمراجعة، تغييراً لما نحن فيه إلى ما يجب أن نكون عليه، وتحريراً لأنفسنا من طغيان المطامح الذاتية والمطامع المادية وصولا إلى ما يجب أن نحيا به من حق وعدل ومن أخوة ووحدة، ومن أمن وسلام..
وما لم نغير أنفسنا لنحرر ذواتنا، لن نستطيع تغيير مجتمعاتنا أو تحرير أوطاننا. مصداقا لقول الله جل في علاه «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».
غير أن إطلالة شهر رمضان المبارك هذا العام ليست كإطلالته في كثير من الأعوام، إذ نستقبل هذا الشهر الكريم بينما نشهد في الأمة العربية والإسلامية على مدى الشهور الستة الماضية مخاض ميلاد جديد محمل بالآلام والآمال وبالدم والدموع بتأثير روائح التحرير ورياح التغيير!
إذا يستقبل العرب والمسلمون رمضان هذا العام بلون وطعم ورائحة مختلفة ومختلطة عما سبقه من أعوام، بلون يختلط فيه لون الدم النازف فيه بين عربي وأخيه وبين مسلم وأخيه بلون الحلم في استعادة الحق والعدل والسلام، وبطعم تختلط فيه المرارة مما يجرى فيه بطعم الأمل فيما نتطلع إليه، وبرائحة تختلط فيها روائح الدموع بروائح الدماء. حيث تختلط دعوات التغيير البناءة بمؤامرات التدمير الهدامة، ودعوة الحرية الخلاقة بدعاوى الفوضى غير الخلاقة.
في حين أن أكثر من مشهد تاريخي يذكرنا أن شهر رمضان كان على الدوام هو شهر الانتصارات العربية والإسلامية الكبرى بداية بالانتصار على النفس ونهاية بالانتصار على العدو.. بداية بانتصار بدر، ومرورا بفتح مكة، ونهاية بانتصار العاشر من رمضان.. وأكثر من مشهد حالي يدعونا إلى التأمل فيما يجري بيننا وحولنا من أحداث ومشاهد تعطي الكثير من العبر والدروس لنا ولغيرنا.
ولهذا فإن الأمة العربية والإسلامية هذا العام بحاجة إلى وقفة مع النفس لاستلهام كل القيم السماوية النبيلة التي حملتها رسالة الإسلام الخالدة، لكي تستعيد ذاتها ووحدتها ونهضتها وتبني قوتها، حتى تستطيع مواجهة كل التحديات والمخاطر الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تواجهها وتحبط كل المؤامرات والفتن الشريرة التي تحيط بها وتستهدف انقسامها على ذاتها والاقتتال فيما بينها والانشغال بنفسها عن عدوها، لتقسيمها وإضعافها وإخضاعها للمشاريع الاستعمارية والصهيونية.
إننا نتمنى فعلاً حقيقياً وتحركا جادا من منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية في اتجاه وقف العدوان على أي بلد عربي أو مسلم، وإتمام مصالحات وطنية عادلة في العراق وليبيا وسوريا واليمن، ولإغاثة شعب الصومال، وحيث يثار النزاع أو ينقطع حبل التواصل والحوار بين عربي وعربي مسلم ومسيحي، وبين مسلم ومسلم، وبين مسلم وعربي.
ونتطلع إلى كل قول وفعل في اتجاه فرض السلام الأهلي والوحدة الوطنية والحوار السياسي والمذهبي بهدف أن يحل السلام الأهلي بدلاً من الاقتتال، والتواصل بالحوار الوطني بدلاً من القطيعة، والوحدة الوطنية بدلا من الفرقة، والتناصر بدلاً من التناحر، والأمن بدلا من الخوف، والعمار بدلاً من الدمار.
mamdoh77t@hotmail.com