[img]
[/img]
ممدوح طه
التاريخ: 26 أغسطس 2011
ممدوح طه
الأحداث والتطورات المتوالية والساخنة في الساحة العربية، التي حدثت مع بداية هذا العام وحتى نهاية هذا الأسبوع، والتي تبدو متشابهة في منطلقاتها ومختلفة في طبيعتها ودوافعها وآلياتها، لا بد أن تطرح على المفكرين والسياسيين العرب إعادة قراءة المشهد العربي الحالي وما يجري فيه، بمنظور شامل يبحث في ما وراء ما يجرى على أرضنا، ويفصل بين ما نريده لشعوبنا وما يريده أعداء شعوبنا لنا وبنا.. بداية من الثورة الشعبية التونسية التي أسقطت رأس النظام الموالي لفرنسا والغرب، ومرورا بالثورة الشعبية المصرية التي أسقطت رأس النظام الموالي لأميركا والغرب، وما تلاهما من انتفاضات شعبية في أكثر من بلد عربي..
وكانت أكثر هذه الانتفاضات الشعبية سخونة، هي ما يجري حاليا في اليمن وسوريا، لكنها رغم حرارة المواجهة، أصرت على وطنيتها ورفضت الاستقواء بأي تدخل عسكري أجنبي لحملها بطائراته أو بدباته إلى السلطة، مثلما جرى في العراق، فيما كان آخر مشاهدها الدموية، هو الاقتتال الأهلي المدعوم بالتدخل العسكري الأطلسي السافر في ليبيا، والذي بلغ ذروته في معركة طرابلس، التي توازى معها أكثر من اعتداء إسرائيلي على سيناء المصرية وغزة الفلسطينية، بدعم سياسي أميركي.
فما ارتباطات ذلك كله بالأمن العبري وبالأمن الغربي وبالمشروع الصهيو أميركي للشرق الأوسط الكبير، سعيا لإعادة رسم الخرائط العربية والإسلامية وتقسيم المقسم وتفتيت المفتت، اعتمادا على آلية الحروب الأهلية والفوضى الهدامة، استغلالا للتناقضات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإشعالا للفتن الطائفية والعرقية والمذهبية والمناطقية، وما انعكاسات ذلك على الأمن القومي العربي؟
ولعلي لا أستبق الأدلة والقرائن، التي تبدو مظاهرها واضحة لكل العيون، فيما لا تزال وثائقها لم تقرأ بعناية بعد وخافية عن جل العيون، لكي أقول بداية؛ إن الأمن العبري الذي يتناقض استراتيجيا مع الأمن العربي، يرتبط ارتباطا وثيقا بالأمن الغربي، مما يجعل الأمن الغربي في تحالفه الاستراتيجي بالأمن العبري، يتناقض بالتالي مع متطلبات الأمن العربي..
ولهذا فلقد أعد هذا الحلف العبري الغربي خططه الاستباقية لتهديد قوائم الأمن العربي والإسلامي، لغياب تحالف عربي إسلامي في مقابل مثل هذا التحالف. وبينما ينظر المخططون الصهاينة والغربيون للوطن العربي باعتباره كتلة واحدة، يتعامل العرب مع الصهاينة والغرب، باعتبارهم اثنتين وعشرين دولة لا تجمعهم جامعة إلا مع صديقهم الغربي على شقيقهم العربي، ولا توحد قواهم وحدة في مواجهة عدوهم العبري، بفضل مخططات وضغوطات صديق عدوهم الغربي!
وما الانقسامات الوطنية ولا الحروب الأهلية العربية في البلاد العربية، إلا استغلال عبري وغربي للمشاكل العربية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وما الفتن الأهلية في العديد من المواقع العربية والإسلامية، إلا جبهات متعددة لمؤامرة واحدة عبرية وغربية، تستهدف تصفية قضية فلسطين، وعودة الاستعمار القديم متخفيا بثياب جديدة وبشعارات خادعة، مستهدفا فرض التقسيم لتقوية وتأمين إسرائيل، ولإضعاف وإخضاع العرب والمسلمين!
وهنا، لا تفتقد الأدلة ولا نفتقر إلى القرائن، فضلا عن العديد من الشهود والشواهد، تقريبا في كل المشاهد، خصوصا إذا كان الاعتراف الصهيوني في وثيقة منشورة هو سيد الأدلة.
الاعتراف الكاشف جاء في وثيقة صهيونية أميركية، نشرتها عام 1982 مجلة "كيفونيم" التي تصدرها المنظمة الصهيونية العالمية، بعنوان "استراتيجية إسرائيلية للثمانينات"، باللغة العبرية، وتمت ترجمتها إلى اللغة العربية، وقدمها الدكتور عصمت سيف الدولة كأحد مستندات دفاعه عن المتهمين في قضية تنظيم ثورة مصر عام 1988.
ولقد أعيد نشر هذه الوثيقة مرات، ولكن يبدو أن من يقرأ بعناية من الساسة ونخبة المثقفين العرب قليل، ومن يعي ما يقرأ ومن يأخذ ما يعي بجدية هو أقل القليل!
وتنبع أهمية العودة لهذه الوثيقة الآن، مما ورد فيها، وأهمه:
ـ أن الأخطار التي تتعرض لها مصر حاليا، من تهديد عبري في سيناء من الشرق، وتهديد من التدخل الأطلسي في ليبيا من الغرب، ومن تهديد انفصالي في السودان من الجنوب، واردة بالتفصيل في تلك الوثيقة الصهيونية.
ـ أن الخطط الهادفة لفصل جنوب السودان وتقسيمه مرسومة.
ـ أن خطط تقسيم العراق كأحد أهداف الحرب عليه مذكورة في الوثيقة.
ـ أن مخطط تقسيم لبنان إلى خمس دويلات طائفية، موجود كذلك.
أما الشاهد الصهيوني على ما نراه من مشاهد، سواء في مصر أوفي العراق والسودان وليبيا وسوريا واليمن ولبنان، فشهادته الكاملة مسجلة في وثيقة منشورة تحت عنوان "محاضرة آفي ديختر في معهد الأمن القومي الإسرائيلي"، ونشرتها صحيفة "الأخبار" اللبنانية مترجمة عام 2008.. وبهذا فقد شهد شاهد من أهل المتآمرين!
وسأكتفي من شهادته بفقرتين اثنتين، الأولي كاشفة للخطة الصهيو أميركية الخبيثة تجاه مصر عموما وسيناء خصوصا، وما لتفكيك مصر من انعكاسات مماثلة على ليبيا والسودان..
"في ما يتعلق بأسلوب المواجهة ضد أي تغيرات أو تحولات حادة في مصر، نحن ننسق مع الولايات المتحدة، ونستعد لمواجهة أي طارئ بما فيه العودة إلى شبه جزيرة سيناء، إذا استشعرنا أن هذه التحولات خطيرة وأنها ستحدث انقلابا فى السياسة المصرية تجاه إسرائيل... سيناء عندما انسحبنا منها ضمنا أن تبقى رهينة، وهذا الارتهان تكفله ضمانات أمريكية"!
والفقرة التالية لديختر، كاشفة للتآمر الشرير على سوريا، استفادة مما جرى تطبيقه بالفعل في العراق، لقلب النظام وفتح الأبواب أمام التدخل العسكري الأجنبي..
يقول ديختر: "لممارسة الضغوط على سوريا، فالخيار هو الوصول إلى المعارضة السورية في الخارج والداخل، وهو ما ثبتت فاعليته في الساحة العراقية، نحن ساهمنا فى التأثير لصالحهم داخل أميركا، والتعامل معهم كخيار يمكن توظيفه لتغيير النظام. وفتحنا لهم أبواب الإدارة الأمريكية والكونغرس ووكالة الاستخبارات، وضمنا لهم دعماً أمريكياً وإعلامياً وسياسياً، وتدريباً للعناصر المعارضة على العمليات العسكرية".
.. وبعد، فهل نعيد قراءة الاعتراف والشهادة بالكامل؟.. أتوقع ذلك.
mamdoh77t@hotmail.com