[img]
[/img]
ممدوح طه
التاريخ: 16 سبتمبر 2011
ممدوح طه
الحرب الإعلامية، أي ما يعرف بـ"البروباغاندا" السياسية، هي أحد عناصر الحرب النفسية التي يشنها طرف على الرأي العام في مجتمع عدوه، بقصد إلحاق الهزيمة النفسية به وإضعاف روحه المعنوية، قبل أن تبدأ الحرب العسكرية.
وهي ببساطة، حملة إعلانية وإعلامية مكثفة، وغالبا مفبركة عبر وسائل الإعلام المختلفة، بالكلمة والصوت والصورة، بطريقة غير موضوعية، وأحيانا غير أخلاقية أو غير شريفة، بهدف التلاعب بالعقول وبالنفوس وبالرؤى، عن طريق الرسائل الإعلامية الملغومة أو المسمومة، سواء بالخبر الكاذب أو المبالغ فيه أو الناقص، وبالأفكار المغلوطة والإشاعات المخيفة للتأثير النفسي السلبي، وبعرض الصور المقلوبة والمعلومات الخاطئة أو الناقصة، بهدف تحقيق هدف ما بغير دم، أو نصر ما بغير حرب، كما حدث في الحرب الباردة.
ولأن شرف الوسيلة إنما ينبع من شرف الغاية، فلا يمكن أن توجد أهداف مشروعة بوسائل غير مشروعة، ولا وسائل مشروعة لأهداف غير مشروعة، أي أنه لا وسائل شريفة لغايات غير شريفة، والعكس صحيح. وفي النهاية تبقي القيم والغايات الإنسانية والأخلاقية الخيرة، في مواجهة القيم والغايات اللا إنسانية واللا أخلاقية الشريرة، هي معيار شرف ومشروعية الوسيلة والهدف.
وبينما تمثل الحروب بوجهيها المشروع وغير المشروع، العادلة منها والظالمة، ذروة التراجيديا الإنسانية، يبقى سلاح الإعلام بوسائله الصادقة الخيرة وتلك المضللة الشريرة، هو أهم أسلحة الحروب الحديثة، حتى أن الحروب العسكرية التي تابعناها على الشاشات، خصوصا في منطقتنا العربية والإسلامية، بدءاً من أفغانستان ومروراً بالعراق ونهاية بما يحدث في الثورات الشعبية العربية الحالية، أصبحت تستبقها وتواكبها وتليها ما تعرف بالحرب الإعلامية، التي تحقق الانتصارات الوهمية على الهواء، وتشيع على غير الحقيقة هزيمة الخصم، حتى قبل أن تبدأ الحرب العسكرية!
وقمة الشرور التي تظهر أسوأ ما في الإنسان وتدمر كل قيمة أخلاقية، هي الحروب الظالمة غير المشروعة، التي تبادر بالعدوان لتحقيق أطماع مصالح مادية بغير حق، أو لإسقاط نظام حكم مناوئ، أو لإخضاع دولة ما وإجبارها على خيار سياسي أو اقتصادي معين على عكس إرادة شعبها.
ولأن أهدافها غير مشروعة فلا بد أن تكون وسائلها الإعلامية بالتالي غير مشروعة، وهي في النهاية تحقق من الخسائر الإنسانية والأخلاقية ما يفوق أية مكاسب وهمية، حين يكون الدم في مقابل الذهب، أو الدمار في مقابل الإعمار، والرجال في مقابل الأموال!
وبينما تكون الحروب العادلة والمشروعة، التي تضطر إليها الشعوب دفاعا عن الحق والعدل والسلام، وعن الأرض والعرض والبيت، أو ردا على عدوان المعتدين المهاجمين، أو تحريرا لأرض محتلة أو لاستعادة حق مسلوب، هي التي تظهر أنبل ما في الإنسان من قيم التضحية والشجاعة والكرامة تحقيقا للحرية والاستقلال، ولأن الحروب العادلة والمشروعة أهدافها شريفة ونبيلة، فلا بد أن تكون وسائلها الإعلامية صادقة وأمينة، وبالتالي لا تلجأ إلى وسائل الكذب والتضليل وقلب الحقائق وتزييف المشاهد، أي إلى ما يعرف بالحرب القذرة.
وفي هذه وتلك، فإن هناك مثلثاً لا انفصال بين أضلاعه في تحقيق الأهداف المختلفة، هو ثالوث السياسة والإعلام والحرب. وحين نتناول بشكل عابر طبيعة العلاقات بين أضلاع هذا الثالوث، بغض النظر عن مشروعية الأهداف أو عدم مشروعيتها وبالتالي عن عدم مشروعية الوسائل أو العكس، إنما نريد من خلال ذلك التركيز بشكل مفصل على واقع أداء الضلع الإعلامي في هذا المثلث.
ومعرفة مدى سلامة أداء الوسائل الإعلامية لدورها، وفقا لطبيعتها ثلاثية الأبعاد؛ من حيث شرف الرسالة الإعلامية، ومن حيث تطور الصناعة الإعلامية، ومن حيث سوق التجارة الإعلامية، ومدى الالتزام بأخلاقية وإنسانية مضمون هذه الرسالة، والمدى الذي وصلت إليه تقنياتها بتأثيرها الإيجابي في خدمة الحقيقة أو السلبي باغتيالها، بكل ما تحققه من مكاسب مادية في مقابل تحقيق الخسائر الإنسانية والأخلاقية أو العكس.
ولأن السياسة بغير قيم أخلاقية وإنسانية تحكمها هي مجرد مهارة شريرة، فإن الوسائل الإعلامية حين تتحول إلى سلاح في أيدي المعتدين الأشرار، تتحول بالتالي إلى مهارة شريرة في الحروب العدوانية الشريرة. ولهذا فإن أولى نتائج ألاعيب تجار السياسة هي إشعال الحروب، وأبرز أدوات ووسائل تجار الحروب هم تجار الإعلام، وأولى ضحايا هذه الحروب هي القيم الأخلاقية والإنسانية، بينما أبرز جرائمها هي تضليل العقول وقلب الصور وخلط الأوراق، لاغتيال الحقيقة مع سبق الإصرار والترصد.
وبعيدا عن التجارة بالإعلام، وبغض النظر عن تطور تقنيات الاتصالات ووسائل الإعلام الحديثة والفضائيات والشبكة العنكبوتية، وغيرها من الوسائل التي يمكنها أن تدعم الحقيقة كما يمكنها في نفس الوقت أن تغتال هذه الحقيقة، فإن رسالة الإعلام الحر الشريف لا يمكن أن تتحقق إلا باحترام مواثيق الشرف الإعلامية، التي تستند على المبادئ الأخلاقية والإنسانية، وبمهنية وموضوعية وأخلاقية تنال الاحترام وتقدير الرأي العام، اقترابا من الرسالة وابتعادا عن التجارة، تجارة السياسة وتجارة الحروب وتجارة الإعلام.
mamdoh77t@hotmail.com