[img]
[/img]
ممدوح طه
التاريخ: 23 سبتمبر 2011
ممدوح طه
"ليس كل ما يلمع ذهباً".. ففيما نرصده من شواهد على المشهد العربي العام الجاري سلميا أو داميا في بعض المواقع، تبدو شعارات براقة في بعض وسائل الإعلام، ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب! فهناك أدوات إعلامية وظيفتها الإثارة لا الإنارة.. وهناك ما يبدو مظاهرات تلفزيونية مفبركة تنحاز لمطالب الشعوب تهتف للحرية وتدين الطغيان.
بينما هي في الواقع، وبأدوات وتقنيات خادعة، تعمق الانقسامات الوطنية والعربية، وتبرر التدخلات الأجنبية والاقتتال الأهلي، وتشجع على الاستسلام للعدو والاستشراس في مواجهة الشقيق! وعلى السطح الخادع تبدو حالة من الانقسام الوطني في المصالح والرؤى، بين أغلبية شعبية وطنية واعية تريد حقا الحرية والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، وبين أقلية مدعية تمثل شهود زور على الإرادة الشعبية الحقيقية وتريد شيئاً آخر!
تلك الحالة من الانقسام الظاهري بين الواعين والتابعين، تهدد بفتح الباب واسعاً لأعداء هذه الأمة والمتربصين بها، لاختراق صفوفها وتزييف رؤاها وتحويل أنظارها بعيداً عن أهدافها الحقيقية، والوقوع بالوعي أو باللا وعي في الفخ المنصوب، وهو الانقسام الحقيقي والاحتراب الأهلي وتحقيق رؤى ومصالح أعدائها، بدلاً من رؤى ومصالح شعوبها.
وهناك بعض الشعارات التي ترفع هنا وهناك من مجموعات بذاتها، تبدو معزولة بوضوح عن التيار العام لشعوبها وعن المصالح الحقيقية لأوطانها، وتكاد تبدو متقاطعة مع أجندات أميركية، وأحيانا صهيونية، أو متطابقة مع مطالب غربية، مثل شعار "جمعة رفض الحوار" أو "من الثورة السلمية إلى التمرد المسلح"، أو "جمعة الحماية الدولية"!
وهنا لا تستطيع الغالبية الشعبية العربية ألا تشعر بالانزعاج والريبة من بعض الشعارات الغريبة عليها، والتي تتصادم مع ما هو مستقر في الضمير الشعبي من مبادئ وثوابت تتمسك بالاستقلال والوطنية وترفض التبعية أو التدخل الأجنبي، وتحرص على الحوار والحلول السلمية وتدين الاحتكام للسلاح، وفي النهاية تحرص على إزاحة الطغيان، لكنها أبداً لا تسمح بالسقوط في خطيئة إزالة الأوطان..
ومع ما نقرأ ونشاهد ونتابع، لا يمكننا أن نفصل في الرؤية والمواجهة والمصير، بين ما يجري تنفيذه حاليا في فلسطين، وما يجري تنفيذه أو يخطط له في بلدان عربية أخرى..
إذ إن ما يجري يتم وفقا لخرائط جديدة، تتوزع بقيادة القوى الاستعمارية الجديدة التي ورثت قيادتها الإدارة الأميركية الحالية، بقاعدتها الصهيونية وأدواتها المحلية، تطبيقا لسيناريو فوضوي تدميري تقسيمي، تلعب فيه إسرائيل الدور العدواني الرئيسي ضد مستقبل كل منطقتنا العربية والإسلامية، الواحدة غير الموحدة في الهدف والصف، بحكم اختلاف المصالح والرؤى.
فما يجري من هجمات من الغرب ضد الشرق، بطمع النوازع الاستعمارية القديمة وبدفع الأزمة الاقتصادية الخانقة الجديدة، هي محاولة لإعادة وضع هذه المنطقة الاستراتيجية الغنية بمصادر الثروة، ضمن مناطق النفوذ الاستعمارية الجديدة.
ووفقاً لما نراه بأعيننا، هناك شواهد واضحة ومشاهد فاضحة لا تحتاج إلى نظر حاد، مع ما ندركه بعقولنا مما نقرأ من وثائق غربية كاشفة وما نسمع عن مشروعات دولية ناسفة لا تحتاج إلى ذكاء حاد، لكن مواجهة تلك المخططات الشريرة هي التي تحتاج إلى وعي شعبي حاد، وإلى عمل رسمي جاد، يوحد ولا يفرق، يقوي ولا يضعف، لا ينجرف ولا ينحاز إلا إلى الإرادة الواعية للشعب العربي.
مع التسليم بأن المسؤولية عما يجري تتوزع بين الأسباب الذاتية الداخلية المبررة، لضعف المناعة الوطنية والقومية، بسبب تقديم الفردي على الجماعي والحزبي على الوطني والوطني على القومي، وبالتالي ضعف القدرة الرسمية على المقاومة أو الممانعة، بسبب الانقسام العربي المصنوع بين موالين وممانعين، بينما كلنا كعرب مستهدفون، والإسلامي بين سني وشيعي، بينما كلنا في المذهبين مسلمون..
وبين الأسباب الموضوعية الخارجية المقررة، المتمثلة في التحالف الجديد القديم الصهيوني الاأميركي والأنجلو فرنسي، لتدويل المنطقة وتقسيم الثروة والنفوذ فيها بينهم، وهو ما شهدناه ونشهده هذه الأيام واضحا لكل ذي عينين. وهنا يمكننا القول إن كل بؤر التفجر المشتعلة الآن على امتداد المنطقة العربية والإسلامية، إنما هي جبهات متعددة لحرب عدوانية دولية واحدة.
حينما تشتد الخلافات بين أطراف الأمة الواحدة العربية والإسلامية، أو بين القوى السياسية في الوطن الواحد، أو نصبح أمام أحد بديلين إما الحوار أو الانفجار، فلا خيار أفضل ولا أعقل أمام المختلفين سوى الحوار وصولا إلى التفاهم، لأن البديل الآخر هو الانفجار الذي يصيب الجميع، الرافضين للحوار قبل الداعين إليه.
ولأن الجميع مهما اختلفوا في المبادئ والمصالح والأهداف، لهم مصلحة أكيدة في التفاهم بدلا من التصادم، وفى التعاون المشترك لتحقيق الأهداف المشتركة، يبدو الحوار السياسي هو البديل الوحيد المعقول والمقبول عن المواجهة أو الاقتتال، وصولا إلى الأرض المشتركة للوقوف عليها معا، تحت مظلة الوحدة الوطنية بالشراكة لا بالاستئثار..
ولأن منع الحوار الوطني أو إفشاله، يهدف إلى منع الوحدة الوطنية، وضرب أي مقاومة وطنية عربية أو إسلامية في المنطقة، ومحاولة إبعاد الدور العربي للوساطة أو المصالحة بفتح أبواب الحوار بالتراضى لا بالإجبار، أو إبطاله وإفشاله بتعميق الانقسام العربي، هو هدف إسرائيلي وأميركي..
لكل ذلك يكون المطلوب الآن من كل العقلاء، هو إسدال الستار فوراً على هذا المشهد الخطير والمثير، لسد الأبواب أمام التدخلات الاستعمارية في شؤوننا الوطنية والعربية. والحل لن يكون إلا بالحوار، وحل مشاكل الحوار بالمزيد من الحوار.. وإلا فهو الطريق إلى الانتحار، بالانفجار أو الاستعمار!
mamdoh77t@hotmail.com