[img]
[/img]
ممدوح طه
التاريخ: 07 أكتوبر 2011
ممدوح طه
في اليوم الثالث لحرب أكتوبر المجيدة، اجتمع موشي ديان وزير الحرب الصهيوني الأسبق، مع رؤساء تحرير الصحف الإسرائيلية، بعد اجتماعه بكبار جنرالاته لتقدير الموقف العسكري المتداعي للجيش الصهيوني، وحينما وضحت الصورة القاتمة بسقوط خط بارليف ولاح له شبح الهزيمة العسكرية، بدا عليه الانهيار وفاجأ الصحافيين قائلاً: لا بد أن نصارح الشعب بأننا نواجه الهزيمة.
وإشفاقاً على الإسرائيليين من هول الصدمة بإعلان هزيمة "الجيش الذي لا يهزم"، هرول كبار الصحافيين لمكتب "غولدا مائير" رئيسة الوزراء قائلين: "أنقذينا.. أنقذينا.. لقد أصيب الجنرال بالجنون". هذا ما رواه المؤرخ العسكري الإسرائيلي "أوري ميلشتاين" في حواره مع الإذاعة الإسرائيلية، موضحاً أن الإعلام الصهيوني هو الذي زيف الحقائق بقصص الانتصار الوهمي الإسرائيلي.
وهذا المؤرخ يروي كشاهد شارك في الحرب وأعد دراسة عنها عام 1974، تناول فيها معركة البحيرات المرة التي تعرضت خلالها إسرائيل لهزيمة منكرة، مؤكدا أن المصرين حققوا أهدافهم في اليومين الأول والثاني للحرب، قائلا: لو كانت إسرائيل تستطيع حقاً الانتصار في الحرب، لكان من الضروري أن تهاجم الجيشين الثاني والثالث اللذين انتشرا في سيناء، وأن تردهما إلى غرب قناة السويس.
كانت قراءة الموقف العسكري تقول لديان وجنرالاته، إن نظرية الأمن الإسرائيلي قد تحطمت، ذلك أن تلك النظرية تقوم على أربعة عناصر؛ الأول، نقل المعركة إلى أرض العدو، والثاني عدم خوض الحرب على جبهتين، والثالث الاعتماد على القوات الجوية، والرابع عدم السماح بإطالة أمد الحرب.
لكن هذه النظرية ضربت بالكامل، فقد نجح المصريون والسوريون في نقل الحرب إلى أرض العدو.. وبدأت الحرب في نفس الساعة على الجبهتين المصرية والسورية.. كما تكفل سلاح الدفاع الجوي بصواريخه سام 6 وسام 7 المتطورة، من شل طيران العدو على الجبهتين..
وبالنسبة للعنصر الرابع، عجز العدو عن الحرب الخاطفة وفقد توازنه خلال ست ساعات. ذلك أنه مع ظهر اليوم الأول لحرب السادس من أكتوبر، وفي تمام الساعة الثانية بعد الظهر، انطلقت مدافع الميدان من على الضفة الغربية لقناة السويس المصرية، تهدر بقذائفها المدمرة في اتجاه المواقع الإسرائيلية على الضفة الشرقية للقناة، فيما سمي تحضيرات المدفعية.
وتحت ساتر النيران المصرية الكثيفة، كانت عناصر سلاح المهندسين المصري تعبر القناة بزوارق سريعة، تحمل مضخات المياه قوية الدفع لاختراق خط بارليف الحصين أو إذابته بالمياه، استفادة من تجربة بناء "السد العالي"، حيث لم يكن قابلا للاختراق لا بالقنابل ولا بالمدافع.
ومع اختراق أكبر حائط دفاعي مانع في التاريخ، وفتح ممرات فيه تمهيداً لعبور القوات المسلحة المصرية من الغرب إلى الشرق.. كانت الطائرات القاذفة المقاتلة المصرية التوبولوف والسوخوي روسية الصنع، تقوم بالموجة الأولى من الهجوم الجوي وقصف مراكز القيادة والاتصالات ومواقع الرادارات، لشل الجهاز العصبي لقوات الاحتلال في سيناء.
فيما كان المشهد على الجبهة السورية مثيراً، ففي الساعة الثانية من بعد ظهر نفس اليوم كانت نحو 600 دبابة سورية تخترق الحدود إلى داخل الأرض الفلسطينية المحتلة، وتتجه إلى العمق الإسرائيلي، وتشترك في معارك ضارية مع دبابات وطائرات العدو التي تصدت لها في محاولة لوقف تقدمها.
وبينما كانت القوات المسلحة المصرية تعبر بزوارقها المطاطية بالآلاف على طول جبهة القناة، وتعبرالدبابات والمعدات الثقيلة عبر الجسور سريعة التجهيز المصرية الصنع، ليشتبك جنودنا الأبطال في قتال متلاحم مع جنود العدو بمواقعهم الحصينة على طول الجبهة، بما مكن من رفع العلم المصري على خط بارليف الحصين والإعلان عن تحرير "القنطرة" شرق في سيناء، كان الجيش السوري يحقق تقدماً واضحا على الجبهة السورية في البداية، بما مكنه من رفع العلم السوري على هضبة الجولان، وإعلان تحرير مدينة "القنيطرة".
وهنا عدة ملاحظات؛ الأولى، لقد أثبت العرب جميعاً، وفي مقدمتهم المصريون والسوريون، أننا لسنا أمة مهزومة، وإن كنا أمة مأزومة، وأن النصر ممكن بشرط الوحدة، بل هو الممكن الوحيد.. الثانية، في مصر يعتبرون النصر مصرياً، وفي سوريا يعتبرونه سورياً، وفي كل بلد عربي يعتبرونه نصراً عربياً، وهو كذلك فعلاً، وأضيف بل وإسلامي أيضاً..
فقد ينسى الكثيرون، وبعضهم يتناسون، أن علم النصر العربي الذي رفعه الأبطال في القنطرة المصرية في سيناء، وفي القنيطرة السورية في الجولان، كان هو نفس العلم بألوانه الثلاثة الذي يتوسطه الصقر الذهبي شعار "دولة اتحاد الجمهوريات العربية" التي كانت تضم مصر وسوريا وليبيا، وبالتالي كان العلم المصري هو العلم السوري وهو نفسه العلم الليبي، وهو علم الوحدة، وبالتالي علم النصر، إذ لولا الاتحاد ما تحقق النصر.
الثالثة، أنه نصر عربي، حيث إنه لولا العمق الاستراتيجي السوداني والليبي لمصر، ولولا العمق الاستراتيجي العراقي والأردني لسوريا.. ولولا العمق الاستراتيجي النفطي في الخليج العربي بقرار قطع البترول عن الدول المساندة لإسرائيل، لما تحقق النصر. وهنا يتجلى بوضوح الموقف التاريخي المشهود للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي تقدم كل المواقف مؤكداً "أن النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي".
وأيضاً لولا العمق الاستراتيجي اليمني بإغلاق مضيق باب المندب جنوب البحر الأحمر أمام الملاحة الإسرائيلية.. ولولا ألوية الجيوش العربية الجزائرية والمغربية والكويتية والسودانية بآلاف الجنود وبمئات الدبابات وبعشرات الطائرات التي وقفت على جبهتي سيناء والجولان..
ولولا المال العربي الذي دعم المجهود الحربي المصري والسوري والأردني بعشرات الملايين من الدولارات في قمة الخرطوم العربية عام 1967.. أقول؛ لولا كل هذه الجهود العربية المتكاملة من المحيط إلى الخليج، ما كان لهذا النصر أن يتحقق، وما كنا لنحتفل به اليوم في مصر وسوريا وفي كل بلد عربي يعرف أن الوحدة هي طريق النصر، وأنه لا بوابة للهزيمة سوى الفرقة والانقسام.
mamdoh77t@hotmail.com