[img]
[/img]
ممدوح طه
التاريخ: 14 أكتوبر 2011
ممدوح طه
الوحدة الوطنية بخير، كل بلد عربي بخير.. مصر بخير، كل الوطن العربي بخير، والعكس صحيح. وربما يمكننا بوضوح تقدير الخطورة البالغة لسيناريو الفتنة الشرير، الساعي لسيناريو الفوضى الهدامة، الهادف لسيناريو التقسيم الخبيث الذي يضرب الوطن العربي هذه الأيام، تنفيذاً لمخطط سايكس ـ بيكو الثاني، إذا ما أدركنا حقيقة لا تقبل الجدل وهي أن مصر العربية هي العمود الأقوى في الخيمة العربية، التي تظلل الوطن العربي
. مثلما يمكننا بغير عناء، تقدير الخطورة البالغة التي تواجهها مصر العربية، نتيجة لسيناريو الفتنة الساعي لسيناريو الفوضى أو الحرب الأهلية، إذا أدركنا أنه إذا كانت مؤامرة الفتنة في مصر باسم الطائفية بين أبناء الوطن الواحد من المسلمين والمسيحيين، فإن الحشد المعادي ـ لغرض في نفس يعقوب ـ إنما يستهدف الوحدة الوطنية.
ويصوب السهام نحو القوات المسلحة التي تمثل العمود الأقوى في خيمة الوطن المصري. والواضح أنه إذا كان المستعمرون القدامى الإنجليز والفرنسيون، قد نجحوا في احتلال الوطن العربي وتقسيمه ضمن مناطق النفوذ، وفقاً لاتفاقية سايكس ـ بيكو الأولى عام 1916، وبدأوا بزرع قاعدتهم العدوانية في الكيان الصهيوني عام 1917 بوعد بلفور الشهير، لتكون عصاتهم الغليظة وقاعدة تهديد أمن الوطن العربي المقسم، ومنع إعادة وحدته ووقف تقدمه، إذا أجبروا تحت ضغط الشعوب العربية على الرحيل..
فإنهم بعد الرحيل القسري بفعل المقاومة الوطنية العربية، يحاولون في السنوات الأخيرة العودة بأشكال جديدة، لإبقاء سيطرتهم الغاشمة على سياسات واقتصادات الوطن العربي، لتحقيق مطامعهم الاقتصادية ومصالحهم الاستعمارية، على حساب استقلال الدول العربية وخصماً من رصيد تقدمها.
ولما كان العالم قد هب لتصفية الاستعمار القديم باحتلاله العسكري الفج لدول العالم، ولم يبق فيه تحت الاحتلال سوى فلسطين، ولما كانت تجربة الاحتلال والاستعمار الماضية فاشلة ومكلفة بشرياً ومادياً وأخلاقياً، بفعل مقاومة الشعوب الحرة لإجبارها على الرحيل، وكانت باهظة الثمن في العراق وأفغانستان حين حاول الاستعمار الجديد إعادة تجربة الاحتلال العسكري المباشر.
. فقد أدرك المستعمرون القدامى والجدد، أنه لم يعد أمامهم الآن للسيطرة على الدول العربية والإسلامية وعلى مواردها الاقتصادية، سوى الغزو من الداخل عبر بوابة الفتن الوطنية والحروب الأهلية، إما لدفع أعوانهم إلى السلطة.
وإما بالتقسيم لإضعاف الكيانات الصغيرة وإجبارها على الخضوع السياسي لسياسات المستعمرين وعلى التبعية الاقتصادية لتحقيق أطماعهم. وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية، عادت أطماع المعسكر الغربي الاستعماري لتنتعش من جديد، ويبقي على حلف الناتو، بل ويغير استراتيجيته من الدفاع إلى الهجوم، ومن داخل أوروبا إلى خارجها، توسعاً نحو الشرق الأوروبي والجنوب العربي.
وتحت إطار التوسع شرقاً وجنوباً، راح الحلف الأطلسي بجناحيه الأوروبي والأميركي، يتجه لتنفيذ مخططاته التوسعية وتصفية حسابات الغرب مع النظم العربية والأوروبية الاشتراكية والتحررية الإفريقية واللاتينية، وراح يرسم خريطته لكي يكون البحر المتوسط بضفتيه بحيرة أوروبية.
وطبقاً لاستتراتيجية الغزو من الداخل، بدأت الدول الأبرز في هذا الحلف وتوابعها، في تنفيذ مخططها الاستعماري الجديد، بما يمكن اعتباره سايكس ـ بيكو الثانية، ولم يعد في أيدي الدول الاستعمارية سلاح لتحقيق هدف التقسيم والتفتيت والغزو من الداخل، سوى سلاح الفتنة بكل أشكالها؛ الطائفية، بين المسلمين والمسيحيين أبناء الوطن الواحد، كما يجري الآن في مصر،.
وكما جرى في لبنان والعراق والسودان.. المذهبية، بين السنة والشيعة.. والعرقية، بين العرب والأكراد وبين العرب والأفارقة أو بين العرب والأمازيغ. لكن الفتنة لا يمكن أن تشتعل من غير مشكلة، حتى ولو صغيرة، ومن غير شحن متقابل لأطراف تلك المشكلة.
ومن غير نفخ في النيران حتى يتطاير الشرر، فتحرق نار الفتنة الطرفين المقتتلين معاً، والأخضر واليابس معاً، لأنه من مستصغر الشرر تُصنع أكبر الحرائق. إن وجود المشكلات الكبرى دون حل، هو حطب هذه الفتن الدوارة، سواء كانت تلك المشكلة طائفية أو مذهبية أو عرقية.
ومع ذلك فإن مشعلي الحرائق الوطنية من المستعمرين وأتباعهم، ليسوا بحاجة إلى مشكلة كبرى كي يفجروها، وإنما بسلاح الإعلام الدعائي المحرض والمثير للفتنة، أصبح في مقدورهم الآن استغلال المشكلات الصغيرة، وحتى بعض اللا مشكلات، .
والعمل على تضخيمها وتفجيرها، لصناعة الفتن مثلما يجري الآن في بعض الدول. وبالفتنة تحرق النيران الأوطان، ما يفتح الباب للتدخل الأجنبي لفرض الحماية الاستعمارية، تحت عناوين جديدة وخبيثة، مثل حماية المدنيين، أو حماية الأقليات الدينية أو العرقية، وحفظ السلام.. أي خروج الثعالب والذئاب على العالم، بثياب الواعظين والمصلحين وإطفائيي الحرائق وحماة الأديان والحريات والحقوق الإنسانية والسلام، بينما هم النافخون في النار.
وهكذا يصبح المطلوب الآن لحماية الأوطان، هو سد أبواب التدخل الأجنبي ومنع عودة الاستعمار بأسماء جديدة، وسد أبواب الفتن والانقسامات الوطنية والاقتتال الأهلي تحت عناوين مختلفة. ومن أجل فتح أبواب الوحدة الوطنية وتدعيم بنيان الاستقلال الوطني، يصبح المطلوب الآن تعاون الشعوب العربية مع الحكومات، لعلاج المظالم وحل المشكلات وضمان الحقوق وكفالة الحريات..
وذلك عبر بوابة واحدة وواسعة وناجعة، هي بوابة العدالة بأبعادها المتعددة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتحقيق التنمية بأبعادها المتعددة، وصولاً إلى تحقيق تكافؤ الفرص لجميع المواطنين، في مجتمع المواطنة والعيش المشترك وسيادة القانون، بالحوار الديمقراطي، ودون تهميش أو إقصاء أو تمييز، ودون ظلم أو قهر أو قمع.. مجتمع الحقوق والحريات، ومجتمع الواجبات والمسؤوليات، ليكون الدين لله والوطن للجميع.
mamdoh77t@hotmail.com