[img]
[/img]
ممدوح طه
التاريخ: 21 أكتوبر 2011
ممدوح طه
يمكن القول إننا نشهد الآن بدايات عالم يتغير، من شماله إلى جنوبه ومن غربه إلى شرقه. بل إننا نعيش الآن في بداية انطلاق عصر الشعوب. وبينما يواجه نظام العولمة جزراً متهاويا وطريقا مسدودا، بدأ تيار العالمية يشهد مدا شعبيا متصاعدا..
وبهذا التغير لن يكون العالم اليوم غربا ولا شمالا فقط، بفعل الحراك الشعبي الرافض للحروب الاستعمارية وللعولمة الرأسمالية والديمقراطية الغربية الزائفة. وبتغير موازين القوى الاقتصادية العالمية، وبفعل الزلزال المالي والاقتصادي الغربي، الناتج عن تلك السياسات المفلسة والمغامرات العسكرية الفاشلة.. وكذلك مع صعود الصين وروسيا، والاقتصادات النامية في البرازيل وجنوب إفريقيا واليابان وتركيا وإيران وماليزيا.. وبالربيع العربي وبالنهوض الإفريقي واللاتيني.. لم يعد ممكنا لعالم اليوم أن تحكمه أو تتحكم فيه حكومات الغرب أو الشمال فقط، بل دول الشرق والجنوب أيضا.
كما أن الديمقراطية الليبرالية على الطريقة الغربية، بدت في نظر شعوب العالم اليوم ديمقراطية شكلية زائفة، يتحكم في مساراتها الرأسماليون الكبار.. والرأسمالية المتوحشة الجامحة في أميركا وأوروبا، تواجه رفضا شعبيا متصاعدا وتواجه مأزقا صعبا.. والحروب التي يشنها الغرب والشمال على دول الشرق والجنوب، أوصلت هذا الغرب إلى حافة الإفلاس الاقتصادي والسياسي والأخلاقي.. بما حرك شعوبهم بالمظاهرات الغاضبة في مئات العواصم والمدن الأميركية والأوروبية، رفضا لتلك النظم والسياسات الفاسدة والمستغلة، وسعيا لإسقاط تلك السياسات اللا أخلاقية واللا إنسانية المفلسة، وللمطالبة بصياغة عالم جديد، بقيم إنسانية عالمية جديدة، تقوم على العدالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وفيما بدأت نسائم الربيع العربي تهب من تونس ومصر العربية، بفعل فساد واستغلال واستبداد النظم التي رهنت بلادها للغرب وارتمت بالتبعية في أحضان الشمال، بدأ الخريف الغربي يضرب دول الشمال برياحه وزوابعه، بفعل فساد واستغلال وخداع الحكومات الغربية لشعوبها.. فقامت تلك الشعوب تسقط حكوماتها في الانتخابات بالتوالي، ثم هبت غاضبة كالإعصار في انتفاضة شعبية عالمية، انطلقت مؤخراً تعبر عن رفضها للواقع الاقتصادي والسياسي، لتعيد صياغة مجتمعاتها وعالمها على أسس سياسية ديمقراطية حقيقية، لا يسيطر فيها رأس المال على الحكم.. وعلى شراكة اقتصادية واجتماعية عادلة، لا تستأثر فيها طبقة الواحد في المائة ولا الشركات العالمية الكبرى، بثروات الشعوب.
إن العالم الآن يتغير، لا بفعل السياسات الاستعمارية الغربية والشمالية، للسيطرة على مقدرات شعوبهم وعلى ثروات الجنوب والشرق، وإنما بتحرك الشعوب سعيا لعالم جديد بعالمية إنسانية جديدة، وليس استمرارا لعولمة لا إنسانية أثبتت إفلاسها الأخلاقي قبل أي إفلاس آخر.. تلك حقائق أصبحت الآن واضحة، وفقا لشواهد ومشاهد عالمية وعربية وغربية جديدة..
أبرز تلك الشواهد هو الصعود الاقتصادي والسياسي الذي تشهده الصين وروسيا، والذي وصل إلى حد أن ما كان أغنى وأقوى اقتصاد في العالم في الولايات المتحدة الأميركية، أصبح أكبر اقتصاد مدين في العالم، ولا تغيب دلالة أن أكبر ديونه باتت لدول الشرق. وكونه أصبح مدينا للصين فقط بمئات المليارات من الدولارات، يشير بوضوح إلى أن مركز الثقل الاقتصادي العالمي انتقل الآن من الغرب إلى الشرق. وهو ما يعني أن مركز الثقل السياسي بالتبعية، ينتقل الآن من الغرب إلى الشرق، ليصبح الروس والصينيون لاعبين كبارا وأساسيين في صنع القرار الدولي. وظهر هذا جليا في الفيتو الروسي والصيني ضد مشروع القرار الأورو أميركي، لفتح الأبواب للتدخل الغربي ضد سوريا.
وأهم تلك الشواهد، تلك الدعوة المجهولة التي ظهرت على الانترنيت مؤخراً، تحت شعار "ياشعوب العالم اغضبوا" من أجل ديمقراطية حقيقية وعدالة اجتماعية.. متبعة نفس الأسلوب الذي استخدمته حكومات ومنظمات دول الغرب، لتحريك بعض القوى الشعبية ضد الحكومات غير الموالية للغرب، بما يشير إلى انقلاب السحر على الساحر، حيث بدأ الربيع الغربي يستلهم نموذج الربيع العربي في مصر وتونس. وكانت البداية في إسبانيا حينما حاكى المتظاهرون الإسبان "الغاضبون"، نفس المشاهد التي رأوها في ميدان التحرير في القاهرة. ثم تلتها حركة "احتلوا وول ستريت" في نيويورك الأميركية، والتي تطورت إلى حركة "احتلوا واشنطن".. ثم انتقلت إلى عشرات المدن الأميركية والأوروبية.
وفيما بدأ الربيع العربي وبدأ الخريف الغربي، انعكست آثار هذا التغيير الاستراتيجي على المستوى العربي والإقليمي، خصوصا في ما يتصل بمسارات الصراع العربي - الصهيوني، في أبلغ صورة بوضع أولويات جديدة للجامعة العربية في عهدها الجديد بأمانة الدكتور نبيل العربي، كي تضع دعم القضية الفلسطينية في المقدمة، وتضع خطوطا حمراء على التدخلات الغربية في الشؤون العربية، وبحل المشكلات العربية بالحوار الوطني وبالوسائل السلمية، وتقوية العلاقات العربية الإسلامية والإفريقية والمتوسطية.
وقد تجلت آثار ذلك في المشهد الفلسطيني في الأمم المتحدة، بالدعم الدولي لطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وبالعزلة الخانقة للولايات المتحدة وتابعتها إسرائيل، وللقوى الغربية التابعة لهما.. وفي تحدي غالبية أعضاء منظمة اليونسكو للإرادة الصهيو أميركية ضد الحقوق العربية، وذلك بقبول فلسطين في المنظمة حتى قبل إقرار مجلس الأمن الدولي.
كما تجلى ذلك أخيرا في انتصار الإرادة الفلسطينية بدعم عربي، على الإرادة الإسرائيلية، من خلال تحرير أكثر من ألف أسير فلسطيني، عبر مفاوضات غير مباشرة بين حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وبرعاية مصرية، لتعم الأفراح كل فلسطين التاريخية من غزة ورام الله إلى القدس، والعديد من العواصم العربية، في مقدمتها القاهرة حيث بيت العرب، ودمشق حيث مقر "حماس". وبذلك حققت القاهرة إنجازا للدبلوماسية المصرية، بإجبار إسرائيل على الاعتذار للشعب المصري، ثم بتحرير الأسرى لصالح الشعب الفلسطيني.
وهذا يشير إلى متغير عربي أساسي، له ما بعده من متغيرات، بعودة مصر إلى استعادة دورها العربي والإقليمي، بعد استعادتها لذاتها ولثوابتها الوطنية والقومية، استجابة لإرادة الشعب المصري بعد ثورة يناير الشعبية، التي كانت مع الثورة التونسية نموذج الربيع العربي، والذي كان مصدر إلهام للشعوب الأميركية والأوروبية بالانتفاضة الشعبية العالمية، وبداية الربيع الغربي ترجمة لعصر الشعوب.
كاتب مصري
mamdoh77t@hotmail.com