[img]
[/img]
ممدوح طه
التاريخ: 20 مايو 2011
ممدوح طه
تأتي الذكرى الثالثة والستون للنكبة الفلسطينية العربية، في الخامس عشر من مايو هذا العام غير مسبوقة في كل الأعوام السابقة، إذ انها تأتي ببشائر ليست فلسطينية فقط، بل عربية أيضا مسبوقة بما قبلها، وتتجلى بصورة سيكون لها بكل تأكيد ما بعدها..
تأتي «النكبة» هذا العام، لأول مرة، بوقفات شعبية فلسطينية وعربية تحمل أغصان الزيتون وأعلام فلسطين حول فلسطين والأراضي العربية المحتلة، من رفح المصرية إلى رفح الفلسطينية، ومن مجدل شمس السورية إل بيت حانون الفلسطينية، ومن مارون الراس اللبنانية إلى القدس الفلسطينية، تدق بأكفها على أبواب فلسطين، وتنادي بإنهاء الاحتلال وبالحقوق الوطنية والإنسانية المشروعة في الحرية والعودة لشعبها، تطبيقا لقرارات الشرعية الدولية.
استبد الجنون والغباء والارتباك بالمحتل الصهيوني الذي أحدثته المفاجأة الشعبية على بوابات الحدود العربية، فأطلق الرصاص على المتظاهرين السلميين، ولطخ أياديه مرة أخرى بدماء عشرات الشهداء والجرحي من الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين والأردنيين ذوي الصدور العارية، في انتهاك واضح لكل القوانين الإنسانية..
ورغم ذلك فإن ذكرى النكبة هذا العام تلوح بانتفاضة شعبية فلسطينية ثالثة، وتأتي مسبوقة ببشائر ربيع عربي، بعد طول خريف تمثل في انتفاضات عربية أزهرت بتفتح ثورتين شعبيتين سلميتين حضاريتين، في تونس الخضراء وفي مصر الفيحاء، بروائح عربية وإسلامية لا صهيونية ولا غربية..
ولأن الشعب العربي واحد، ولأن ما يجري في مصر يؤثر على ما يمكن أن يجري في الوطن العربي عموما، وعلى فلسطين خصوصا بصورة مباشرة، والعكس صحيح، باعتبار أن فلسطين في الوجدان الشعبي المصري قضية مصرية، مثلما مصر في الوجدان الشعبي الفلسطيني قضية فلسطينية، وللترابط الوثيق بين الأمن الوطني المصري والأمن القومي العربي في مواجهة التهديد العدواني الصهيوني.
.. لكل ذلك خرجت المظاهرات الشعبية المصرية تحمل الأعلام الفلسطينية، في تحرك موازٍ مؤثر، لا إلى الحدود الفلسطينية ولكن لتحيط بالسفارة الصهيونية في القاهرة بالآلاف من المصريين مؤكدين تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، في نيل كل الحقوق المشروعة في الوحدة والتحرير والعودة، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وتطالب بطرد السفير الإسرائيلي وإنزال العلم الإسرائيلي الذي يلوث سماء القاهرة.
وتأتي مسبوقة ببشائر ربيع فلسطيني تمثل في المصالحة الوطنية الفلسطينية، برعاية مصرية ودعم سوري ومباركة إقليمية، بين حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» وحركة المقاومة الوطنية الإسلامية «حماس»، لتفتح الطريق لتتويج جهود توحيد الفصائل الفلسطينية الأربعة عشر، في وحدة وطنية في إطار منظمة جديدة للتحرير الفلسطيني، تستوعب الجميع لتكون بحق ممثلة للجميع..
وتأتي مسبوقة بتصريحات مصرية رسمية وتحركات شعيية تضع القضية الفلسطينية في أولى أولوياتها العربية، وغزة في أولى مسؤولياتها الفلسطينية، ليكون القرار المصري واضحا؛ لا لحصار غزة ولا لتجويع الشعب الفلسطيني بعد اليوم. وليتم الإعلان عن عزم مصر، بموقف وطني وقومي، فتح معبر رفح بصورة دائمة لإنهاء عار الحصار على غزة، تصحيحا لموقف مصري سابق لا هو عربي ولا إنساني ولا شرعي!
تأتي ذكرى النكبة اليوم، لتذكرنا وتذكر العالم بأن فلسطين هي آخر بقايا عصر الاستعمار الغارب، وبأن هناك قضية عادلة لشعب عربي فلسطيني ما زالت دون حل عادل، وما زالت تنتظر حركة شعبية وإرادة رسمية عربية وإسلامية، تتوحد لتضغط،.
وتتحرك لتحرر، في اتجاه إحقاق الحق، وما زالت تنتظر صحوة ضمير شعبية أميركية وغربية، تستيقظ وتصحح وتراجع حكوماتها، وتدفعها إلى التراجع عن مساندة الاحتلال والانحياز الأعمى إلى الظلم ومجافاة العدل والحرية والحقوق الإنسانية.
تأتي لتذكرنا بأن «النكبة» التي وقعت للشعب الفلسطيني بأيدي العصابات الصهيونية الإرهابية وبمعاونة قوات الاحتلال البريطانية، بدءاً من وعد بلفور في 2 نوفمبر عام 1917، وصولا إلى إعلان الكيان الاستعماري الجديد في 15 مايو عام 48 بالقوة، هي التجسيد التآمري الواضح بين قوى الاستعمار والصهيونية ضد الشعوب العربية والإسلامية، سواء «حين أعطى من لا يملك وعدا لمن لا يستحق»، أو حين توطأت معه في احتلال فلسطين بالمهاجرين اليهود الأوروبيين، وفي تهجير شعبها العربي ليعيش في الشتات كلاجئين.
وكما جاءت ذكرى النكبة هذه المرة بشارة انتفاضة شعبية فلسطينية ثالثة مدعومة بمسيرات شعبية عربية وإسلامية، فلقد جاءت المصالحة الوطنية الفلسطينية بشيرا بإعلان الدولة الفلسطينية بقرار عالمي جديد من الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، بأغلبية دولية تشبه الإجماع.
.. وذلك بعيدا عن مجلس الأمن الدولي الذي تحول إلى مجلس لتهديد الأمن الدولي، والمحكوم أميركيا وغربيا بالفيتو الأوتوماتيكي لصالح كل ما هو صهيوني وغربي، ضد كل حق عربي أو إسلامي، وهو ما يثير الارتباك والقلق في الدوائر الإسرائيلية والأميركية.
يأتي ذلك كله بينما يواكبه انتخاب وزراء الخارجية العرب للقاضي المصري العربي الدولي والدبلوماسي الواعي المخضرم الدكتور نبيل العربي، وزير خارجية حكومة الثورة المصرية، لتولي الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، في ظرف عربي استثنائي دقيق، مفعم باليقظة الشعبية العربية، .
ومواجه بالمؤامرات الصهيونية والغربية لشق الصفوف العربية والإسلامية بالفتن الطائفية والمذهبية والعرقية والسياسية، لتدويل القضايا العربية، ولتقسيم الأوطان العربية بحروب أهلية، لإعادة فرض الهيمنة الغربية والوصاية الصهيونية.
وهذا الاختيار الواعي، يأتي مع كل البشارات بشير خير جديد يبعث على الأمل في بيت للعرب، يصنع المصالحات لا المشاجرات، وينظم الحوارات لحل الخلافات، ويصد القرارات الرسمية استجابة للإرادة الشعبية العربية، وليس للإملاءات الغربية .
.. ويأتي مع احتضان دولة الإمارات لمنتدى الإعلام العربي، في هذه الظروف العربية، في ظل تحديات جديدة تضاعف من أهمية دور وسائل الإعلام العربية الداعمة لقضايا الوحدة الوطنية والوحدة العربية والتضامن الإسلامي، انتصارا لمبادئ الحق والعدل والحرية.
فالقضية الفلسطينية والقضايا العربية والإسلامية، بحاجة إلى صحوة شعبية عربية مؤثرة، وإلى إرادة سياسية رسمية فاعلة، وإلى وسائل إعلام عربية ذات موضوعية ومصداقية، بلا تحريض ولا إثارة ولا تضليل.. وإلى محكمة أممية عادلة بمحامين قادرين وقضاة عادلين، وليس لمحامين فاشلين لقضية مشروعة، ولا لمحكمة دولية قوانينها قد تكون عادلة، بينما أحكامها غير العادلة يشوبها البطلان.
mamdoh77t@hotmail.com