[img]
[/img]
ممدوح طه
التاريخ: 03 يونيو 2011
ممدوح طه
القرار المصري المستقل والشجاع بفتح معبر رفح البري بصورة دائمة أمام أبناء الشعب الفلسطيني من قطاع غزة الذي ظل يعاني من حصار ثلاثي عبري وغربي وعربي لا إنساني، عقابا له على خياره السياسي الحر في انتخابات ديمقراطية شهد بسلامتها العالم كله بل والرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، قرار تاريخي وقانوني وإنساني وسياسي بامتياز.
قرار تاريخي، لأنه يعيد وصل ما انقطع تاريخيا بين مصر العربية وغزة الفلسطينية منذ عام 67 باحتلال صهيوني، وما انفصل جغرافيا بمعبر حدودي لا يفتح للعبور ولا يغلق في وجه العابرين إلا بإرادة عبرية وإدارة أوروبية تحاصر الفلسطينيين، ولأنه يعيد هدم الجدار الوهمي والفولاذي المصري المانع بإرادة غربية وإدارة عربية بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية في انقلاب غربي على الديمقراطية منذ فازت حركة حماس الإسلامية في الانتخابات الفلسطينية «الديمقراطية»! إنه بلا شك قرار يعيد كتابة التاريخ.
وقرار قانوني، لأنه يبرئ مصر من إثم المشاركة في الجريمة اللا إنسانية، تم بإرادة وطنية مستقلة بدون تشاور مع أميركا أو استئذان من إسرائيل، لأن هذا الحصار جريمة دولية ضد الإنسانية تجرم الفاعل والشريك والمتخاذل، باعتباره إبادة جماعية تدريجية بالتجويع وقطع الكهرباء ومنع الوقود والغذاء والدواء فضلا عن العدوان العسكري والغارات الجوية المستمرة و تدمير للبنية الأساسية ولقتل المدنيين الفلسطينيين بلا قرار غربي بفرض «الحظر الجوي» فوق غزة «لحماية المدنيين».
وقرار إنساني، لأنه يستجيب لنداء الضمير الإنساني العالمي، ويكفي هنا تحذير مساعدة السكرتير العام للأمم المتحدة أنجيلا كين لمجلس الأمن الدولي بالقول :«إن غزة تعاني من ضغوط إنسانية متصاعدة بسبب إغلاق حدود القطاع مع مصر وإسرائيل، ومن شح المواد الغذائية والسلع الأساسية، وشح المياه، وضعف نظام الصرف الصحي، وما لم يسمح بدخول الوقود ستضطر أونروا إلى وقف توزيع مساعداتها الغذائية إلى الفلسطينيين»، ولم يتحرك فيهم ضمير!
إن هذا القرار السياسي المصري النبيل استجابة لإرادة الشعب المصري والعربي، بل ولإرادة الشعوب الغربية التي رفضت سياسات حكوماتها المتناقضة مع كل ما ترفع من شعارات حقوقية وإنسانية وديمقراطية، وخرجت القوافل البرية تحمل المئات من الحقوقيين والنشطاء السياسيين الأوروبيين والأميركيين في موجات متتالية لكسر هذا الحصار، وهنا نتذكر بالتقدير السياسي والبرلماني البريطاني الشهير «جورج جلاوي»، وهو يتوج المحاولات الإنسانية المصرية والعربية والإسلامية والعالمية البرية والبحرية وأبرزها «أسطول الحرية» لكسر هذا الحصار الظالم المخالف لكل القوانين الدولية الإنسانية.
وربما ليس من قبيل المصادفة أن يأتي هذا القرار المصري الشجاع متوافقا مع الذكرى السنوية الأولي للعدوان الإجرامي الصهيوني على السفينة التركية «مرمرة» التي ضمت النشطاء الإنسانيين المصرين والعرب والغربيين الشرفاء من كل الجنسيات والأديان، والذي أسفر عن استشهاد عشرة نشطاء وإصابة العشرات وأغلبهم من الأتراك بغير عقاب دولي حتى الآن !!..
وربما أيضا ليس من قبيل المصادفات أن يحاصر آلاف المتظاهرين المصريين السفارة الإسرائيلية في القاهرة رافعين الأعلام الفلسطينية ومطالبين بإنزال العلم الصهيوني وطرد السفير من القاهرة، في الشهر نفسه الذي خرج فيه آلاف المتظاهرين الأتراك ضد السفارة الإسرائيلية في «استانبول» ينادون بنفس النداءات ويرفعون ذات الأعلام قبل أيام.
لقد أعادت ثورة الخامس والعشرين من يناير المصرية بكل فخار مصر إلى المصريين والفلسطينيين وإلى العرب والمسلمين، فأعادتها بالتالي إلى صدارة المشهد العربي والإسلامي والأفريقي لتستعيد مكانتها الإقليمية الجديرة بها بعد أن غسل شعبها بمياه النيل وجه مصر من كل ما علق به من غبار أو عار بفعل سياسات التبعية للدوائر الغربية أو الصهيونية على حساب الأمن الوطني المصري والأمن القومي العربي.
في النهاية، أختم هذا المقال داعيا لاستكمال الجهود الخيرة لإنهاء كل أشكال الحصار البحري والبري الاقتصادي والسياسي، وبما أتذكر أني ختمت به مقال سابق لي منذ سنوات في زمن التبعية والحصار، منشور بجريدة «البيان»، بعنوان «من العار استمرار هذا الحصار» داعيا مثل غيري من عشرات الكتاب العرب والأوروبيين إلى رفع الحصار وإزالة العار.
«من العار كل العار أن يستمر هذا الحصار على الشعب الفلسطيني في غزة، لأن شرعية ما هو إنساني تبقى دائما فوق أية شرعية سياسية أو قانونية، فلا شرعية لسياسة تبيح حصار وطن بلا إنسانية، أو لقانون يبيح قتل شعب من الشعوب، ولا جريمة أبشع من أن تكون ضد الإنسانية، ونربأ بأي عربي أن يسقط في خطيئة ارتكابها متعاونا مع احتلال عبري أو غربي ضد شعب عربي، خصوصاً إذا كان هو الذي يواجه العدوان الوحشي العبري بسلاح غربي، وهو الذي يضحي دفاعا عن مقدسات كل العرب مسلمين ومسيحيين. لكن كان من الغريب والمعيب بلا حدود ذلك المشهد العربي الأكثر خطورة الذي يسمح بل يشارك بالفعل في حصار غزة مثلما تحاصرها إسرائيل والحكومات الغربية على عكس إرادة شعوبها، ولا يتخذ الموقف العربي الإنساني الحاسم لمنع استمرار جريمة إنسانية مروعة ضد الشعب الفلسطيني في غزة حسب وصف الرئيس جيمي كارتر خلال وجوده بالقاهرة انطلاقا من الموقف القانوني الدولي الذي يعتبر حصار التجويع للمدنيين جريمة مثلما يعتبر منع وصول الإغاثة جريمة ضد الإنسانية، مثل هذا الحصار اللا إنساني واللا شرعي هو العار بعينه».
واليوم بعد العبور العسكري الأول للجيش المصري العظيم لجدار بارليف من القنطرة غرب قناة السويس إلى القنطرة شرق في سيناء، أعتبر أن القرار المصري للمجلس العسكري المصري ولحكومة الثورة المصرية ولوزير الخارجية المصرية الدكتور نبيل العربي، هو قرار عربي نبيل في إطار سياسة فتح المعابر الأخوية المصرية من وإلي كل الأشقاء العرب على الحدود الجنوبية أو الغربية في المغرب العربي بل هو العبور الشعبي والرسمي الثاني من معبر الأخوة على حدود مصر الشرقية من رفح المصرية إلى رفح الفلسطينية وصولا إلى أشقاء مصر في الشام والخليج والجزيرة العربية.
mamdoh77t@hotmail.com