[img]
[/img]
ممدوح طه
التاريخ: 30 سبتمبر 2011
ممدوح طه
واحد من أهم المشاهد السبتمبرية الأخيرة، هو ما جرى في الأمم المتحدة هذا الشهرتحت ضوء باهر، وسط تصفيق حار من وفود العالم المحبة للحق والعدل والحرية.
ووجوم حاد وشعور خانق بالعزلة والارتباك للوفود الإسرائيلية والأميركية والغربية، التي سقطت أقنعتها الكاشفة، وتهاوت شعاراتها الزائفة عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، لتجد نفسها في مأزق واضح، وفي موقف فاضح لمصداقيتها ولأهليتها في صنع السلام.
حدث هذا المشهد، حينما أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن ساعة الربيع الفلسطيني قد دقت، مطالبا دول العالم بالاعتراف بالدولة الفلسطينية بحدود 67 وعاصمتها القدس الشريف، وبانضمام فلسطين لتكون الدولة 194 في عضوية المنظمة الدولية، متحديا التحذيرات الأميركية والتهديدات الإسرائيلية والمناورات الأوروبية، بما يعيد القضية إلى المداولة الأممية ويضعها في صدارة القضايا العالمية، بعد أن كادت تسقط من صدارة المداولة العربية.
ورغم أن هذا المشهد أثار جدلا ومعارضة فلسطينية، حيث لم يطالب إلا بالحد الأدنى من الحقوق الوطنية، أي بخمس أرض فلسطين المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة المحاصر، طبقا للقرار 242 الذي يطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها بالقوة عام 1967، وهو ما بدا ممكنا.. ولم يطالب بالحد الدولي الأوسط، أي بنصف أرض فلسطين طبقا للقرار 181 لعام 1947 بتقسيم فلسطين التاريخية إلى دولتين، وهو ما بدا غير ممكن، فضلا عن أنه لا يطالب طبعا بالحد الأقصى طبقا للحقوق الوطنية بفلسطين التاريخية من النهر إلى البحر على حدود عام 48.
حيث يبدو مستحيلا.. إلا أن طلب الحد الأدني، وهو ما بدا ممكنا بمنطق "المبادرة العربية للسلام"، لم يكن إلا انعكاسا لتراجع الموقف العربي إلى الحد الأدني من وزنه وقوته وتأثيره، بفعل الانقسامات السياسية العربية، والانقسامات الوطنية الداخلية، وتأثير التحالف الصهيوني الغربي.
وتقييد دور مصر القوة الرئيسية في الصراع الصهيوني/ العربي، والاختراق الغربي للوطن العربي، وبالتالي غياب الوحدة مصدر القوة، والنهضة مصدر التأثير، وضعف الإرادة العربية. وهنا لا يغيب من الذاكرة المصرية والفلسطينية والعربية، الزعيم العربي خالد الذكر جمال عبد الناصر، الذي رحل في ذلك اليوم الحزين من أيام سبتمبر الآفلة عام 1970.
وهو الذي عاش من أجل فلسطين ومات مدافعا عن حماية مقاومتها، حيث بدأ التفكير في القيام بالثورة المصرية بينما كان مع رفاقه الضباط الأحرار في "الفالوجا" في حرب فلسطين عام 48، ومات بعد أيام من الجهود المضنية في قمة القاهرة العربية لوقف نزيف الدم الفلسطيني والأردني، فيما عرف بفتنة سبتمبر الأسود.
وهو ما يستدعي في ذاكرتنا دور مصر الفلسطيني، ودورها العربي، والدور المصري العربي المطلوب لتحرير فلسطين. وهنا نستعيد مواقف جمال عبد الناصر في مصر والوطن العربي من أجل فلسطين، منذ قيامه بثورة 23 يوليو 1952 وحتى رحيله، لنتذكر بفخر حقبة تاريخية شهدتها مصر والأمّة العربية بمشاعر العزة والكرامة، بإرادة وطنية حرة ومستقلة، يزداد شوق الجماهير العربية إليها، وتزداد قيمتها كلما ازدادت التحديات من حولنا، وأخطرها محاولات الاستعمار للعودة.
وهنا نتذكر أن ثورة يوليو قامت لتحرير الوطن المصري من الاستعمار الانجليزي، وتحرير المواطن المصري من الاستبداد والاستغلال، كمقدمة ضرورية لقيام مصر بواجبها لتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني، ولدعم النضال ضد الاستعمار الإنجليزي والفرنسي لتحرير باقي الوطن العربي.
وأن نضال عبد الناصر المخلص لتحقيق الوحدة العربية، إنما كان نابعا من وعيه العميق بأن "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"، وأن الوحدة الوطنية والقومية هي الطريق لبناء النهضة وامتلاك القوة اللازمة لاستعادة الحقوق العربية.
ولهذا حاول تحالف الاستعمار والصهيونية ضرب مسيرة الثورة المصرية نحو التحرر العربي والوحدة العربية، وتجلى ذلك في العدوان الثلاثي على مصر عام 56، والعدوان الصهيو أميركي على مصر وسوريا والأردن عام 67، وهو ما أيقظ في الإدراك المصري والعربي أن زرع إسرائيل في فلسطين في قلب الوطن العربي، إنما كان لتكريس المطامع الاستعمارية في الثروة العربية، وتحقيق الأهداف العدوانية ضد أهداف الثورة العربية التحررية والتقدمية الوحدوية.
وترجمة لذلك قال جمال عبد الناصر في كتابه "فلسفة الثورة": "كنا نقاتل في فلسطين، لكن أحلامنا كانت تتمحور حول مصر. كانت المعركة موجهة مع العدو في كمائنه، فيما قلوبنا تحوم حول وطننا (مصر) الذي تركناه في حراسة الذئاب". ووصف عبد الناصر مصر "فالوجة أخرى على نطاق أوسع.. وما يحدث لنا في فلسطين ليس إلا صورة مصغرة لما يحدث في مصر".
ونستعيد رفضه القاطع لقبول حل سياسي بانسحاب إسرائيل من سيناء بعد عدوان 67، مقابل انسحاب مصر من دورها الفلسطيني والعربي وعزلتها داخل حدودها متخلية عن دورها التاريخي، لإدراكه العميق بالارتباط الوثيق بين مصر وفلسطين، ومصر والعرب كضرورة أمن قومي عربي في مواجهة تهديدات التحالف الاستعماري الصهيوني، وخطر الوجود الصهيوني على المستقبل المصري والعربي معا.
ففي رسالتة الشهيرة للرئيس الأميركي، جون كنيدي عام 1961 قال عبد الناصر: "موقفنا من إسرائيل ليس موقفا مشحونا بالعواطف، بل هو يستند إلى الحقائق التالية: عدوان شن علينا في الماضي، خطر محدق بنا في الحاضر، ومستقبل مجهول محفوف بالتوتر والقلق على المصير".
وفي الرسالة ذاتها، أضاف "إن الدول العربية لا تستطيع عزل نفسها عن أي عدوان يشن ضد إحداها، وذلك لسبب واضح وهو أن العدوان على واحدة منها سوف يهدد الأخرى بنفس المخاطر والمصير"..، لأن الصراع مع إسرائيل ليس صراعاً مصرياً/ إسرائيلياً، ولا فلسطينياً/ إسرائيلياً فقط، بل هو صراع عربي/ إسرائيلي بالضرورة. وهنا يظهر التلازم الوثيق بين الخطر الإسرائيلي على الأمن العربي، وبين ضرورة الوحدة العربية.
mamdoh77t@hotmail.com